منتدى تقسيم السمنودى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى خاص بتقسيم السمنودى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولرمضان 1430

 

 كيف نكتب غزة أدبياً؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
booody7

booody7


ذكر عدد الرسائل : 151
العمر : 32
العمل/الترفيه : big boss
تاريخ التسجيل : 08/09/2009

كيف نكتب غزة أدبياً؟ Empty
مُساهمةموضوع: كيف نكتب غزة أدبياً؟   كيف نكتب غزة أدبياً؟ Icon_minitime1الأحد نوفمبر 01, 2009 5:52 pm

كنا ولا نزال نقرأ ماركيز وسواه من أدباء أميركا اللاتينية، مبهورين بثراء العالم الذي يقدمونه، وبغرائبيته وسحره، وهو ما أطلق على تلك الكتابات مصطلح «الواقعية السحرية».




وفي قراءة متأنية لماركيز مثلاً، سنكتشف أن هذا السحر ليس ماركة أميركية لاتينية كما كنا نظن. فهو أحد أهم مقومات البنية الاجتماعية في كل مكان وزمان. وما علينا إلا أن نتذكر الحكايات الشعبية العربية، والخرافات، والحضور الطاغي للأسطورة في حياتنا اليومية، لكي ندرك أن هذا السحر موجود بين أيدينا، لكننا لم نره ولم نلمسه. وحين حاول بعضنا رؤيته وتلمسه جوبه ببعض من متسلقي الحداثة الذين ارتدّوا إلى الذات والجسد، إثر موجة جديدة من الكتابة، وجدت تشجيعاً لها في العالم كله. ولكن لا نعني بذلك تهميشاً أو تقليلاً من شأن هذه القضايا والموضوعات والهواجس الأساسية، فيما لو تم تناولها في سياق اجتماعي وثقافي عام، بعيدا من الإثارة ولفت الأنظار الذي يلجأ الكثيرون إليه في هذه الأيام.




كان ما فعلته غزة في المذبحة الأخيرة، بكل حكاياتها الموضوعية، وناسها العاديين، أعظم من أي واقعية سحرية في أي أدب عالمي آخر. فنحن أمام وقائع لو كتبت بقليل من التكامل بين موضوعيتها والمخيال الإبداعي، لتمكن الأدب العربي من إعلاء شأنه عبر العالم الحر.
لكنّ الخوف كله الآن، هو أن نعود إلى اجترار الحكايات السير ذاتية، ومزيد من الوصف الخارجي للوقائع التي أصبحت تجد سوقاً رائجة. وهذا لا يعني أننا ندعو إلى تحييد أو إقصاء الموضوعات والقضايا الإنسانية كلها، لمصلحة الوقائع الغرائبية والفنتازية في خلال العدوان الصهيوني على غزة. إنما نطالب فقط بالالتفات إلى هذا الزلزال بكل ما رافقه من وقائع إنسانية يومية، لا تصلح فقط كموضوعات للكتابة، بل هي قادرة على تحرير اللغة الأدبية مما أصابها من نخبوية أخذت تلازمها مؤخراً، بحيث ساهمت ـ في درجات متفاوتة ـ في توسيع الهوة بين الكاتب والمتلقي.




ولا ننس أننا كنا دائماً نتذرع بفقر المجتمعات العربية، خصوصاً في سياق الحديث عن الرواية، بصفتها ابنة المجتمع الصناعي الحديث، بعلاقات إنتاجه المتعددة، والمختلفة عن علاقات إنتاج المجتمعات القبلية والريفية البدائية. فالأدب نتاج المخيال بامتياز، وهذا صحيح تماماً. لكنّ ما لم نفهمه جيداً، هو أن هذا المخيال وحده لا يجر العربة، ولا بد له كي يصبح منتجاً، من الاشتباك بالواقع الموضوعي، وبكل مفردات هذا الواقع المتنوعة. وهو ما ينطبق على الضفة الأخرى للكتابة. فليس في مصر كلها شخص يدعى «أحمد عبدالجواد» الذي قرأناه في ثلاثية نجيب محفوظ، ولكن في مصر ملايين من أحمد عبدالجواد المحفوظي. تماماً كما قيل في الجندي الطيب شفيك: إنه السيد أي شخص. فالكتابة هنا، والمخيال تحديداً هو الذي يبني هذه الشخوص والوقائع والأحداث، في خلال تناول قضايا اجتماعية أو سياسية كبرى في الأدب. ولكن هذا المخيال يتكئ على منظومة اجتماعية ووقائع عامة أو فردية، لكي تساعده في الانطلاق إلى آفاق الصورة الجديدة، كانت مشكلة الكتابة عن المقاومة قبل عقود، تتمثل في إقصاء المخيال أو تهميشه، لمصلحة الواقعة أو الحكاية والمعلومة والخبر. وعلى رغم ثراء الكثير من هذه الوقائع والحكايات والمعلومات، إلا أن تقزيم المخيال الإبداعي أمامها جعل الكتابة فيها إعادة إنتاج لها بالكلمة، تماماً كما حدثت. وإذا كان هذا مقبولاً إلى حد ما قبل عقود عدة، فهو لم يعد كذلك الآن إثر سيادة الصورة وحيويتها وحرارتها إعلامياً، بحيث لا تستطيع الكتابة إعادة إنتاجها بكل تلك الحرارة والحيوية.




ولذلك، فإن موضوعاً مثل محرقة غزة، تتطلب الكتابة فيه انتباهاً جديداً إلى معنى الأدب ودوره وجوهره. فلا يصح أن ننسخ كتابياً ما حدث، بحيث تصبح الكتابة توثيقاً ورقياً أو أدبياً إن شئت. ولا يصح أن نظل صامتين أمام هذا الثراء الهائل، القادر على منح أدبنا العربي قدرة على اختراق جدران الكون وبواباته محكمة الإغلاق. ولكن ما يمكن أن يصح، هو إعادة كتابة هذه الوقائع والحكايات من زاوية جديدة غير تلك الإعلامية المشحونة بالعاطفة. أي أننا أمام تحدٍ جديد الآن، ربما يتيح لنا فرصة تقويم بعض المفاهيم السابقة والراهنة، كمفهوم أدب المقاومة مثلاً. فنحن لسنا في حاجة إلى أدب شعاراتي أو منبري أو هجائي. ونحن لسنا في حاجة إلى فبركة حكايات ووقائع بطولية تنتمي إلى تفكير رغائبي. ولكننا في حاجة إلى تناول وقائع موضوعية في صورة جديدة مغايرة لما كانت عليه، لكي يتم التركيز على البعدين الأساسيين في الكتابة: المعرفي والجمالي.




سيكتب الكثير من القصائد التي ترثي الشهداء، والكثير من الكتابات التي تشيد بالنصر وتعلي من شأنه، والكثير من الكتابات التي تتوعد العدو الصهيوني. وهي كلها ستكون إعادة إنتاج لأفكار المتلقي البسيط، الذي سيجد نفسه فيها. ولكن الأدب ليس كذلك. بل هو محاولة للغوص في عوالم هذه النفس الجوانية، التي لا يتمكن صاحبها من اكتشافها. أي أن الأدب قادر على مساعدة الناس على معرفة أنفسهم ومحيطهم وعالمهم وحياتهم، في شكل جمالي وفني مختلف عن الأشكال اليومية المتمثلة في المنزل والمدرسة والجامعة والقبيلة والخضوع لكثير من الأعراف التقليدية من دون مساءلة.




وضعتنا غزة أمام امتحان من نوع جديد، كنا نظن أننا انتهينا منه. خصوصا بعد هذا الطوفان الكبير في الكتابات التي سلكت أثر الشعر العربي الجديد، حيث غياب التميز والبصمة الإبداعية المختلفة، نظرا إلى محاولة الكثيرين اقتفاء بعض من نجحوا في اختراق حاجز الصوت الشعري الذي ساد عقودا عدة.




لدينا حصيلة هائلة من الوقائع والمعلومات والحكايات، ولدينا ما نحتاج من وقت لكي يتم تحويل هذه الوقائع والحكايات إلى موضوعات أدبية ـ روائية بالتحديد ـ، شريطة ألا ينجر الكاتب العربي إلى مشاعر الناس وعواطفهم ورغباتهم، وشريطة ألا يضع له هدفاً يتمثل في الحصول على أكبر عدد ممكن من القراء، لأن في ذلك إخضاعاً للأدب وعالمه إلى منطق السلعة والسوق.
علينا أن نجرد صورة الفلسطيني في غزة مما علق بها في الذاكرة العربية من أسطرة، لأننا نريد هذا الفلسطيني بشراً سوياً، يحب ويجوع ويضعف ويقاتل ويصمد وينهار. ولا نريد فلسطينياً ينتمي إلى ممالك علوية لا تمت إلى العالم الإنساني، لأننا بذلك نفقد هذا الإنسان معنى وجوده وقوته وتضحياته والظلم الذي كابده وتعرض له ولا يزال. ولأننا برفعنا إياه من دائرة الناس العاديين، نكون جردنا كل ما قام به من صبر وصمود ومواجهة من قيمته الإنسانية أيضاً.




نريده إنساناً عادياً هذا الذي فقد عائلته وقاتل. نريده أن يبكي ويتألم كإنسان. ونريده أن يشعر بالفقد وبالخسارة، لأننا إن لم نفعل ذلك، سنطيح بعد ذلك كل ما يجترحه خيالنا من بطولات وأساطير وتضحيات هائلة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كيف نكتب غزة أدبياً؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى تقسيم السمنودى :: الركن الإسلامى :: فلسطين " حتى لا تكون أندلساً أخرى "-
انتقل الى: